ان العلم يحتل مكانة كبيرة في منهاج التصوف المعاصر فهو بحث على طلب العلم وتعلمه والعمل به فيقول الشيخ بشر الحافي : ( العلم إذا لم يعمل به فتركه أفضل فاسعوا في طلبه ) . وكان يردد كثيرا قول المسيح : ( من تعلم وعمل وعلم فذلك الذي يدعى عظيما في ملكوت السماء ) . وان القرآن الكريم الذي يمثل دستور الصوفي في ينص في كثير من آياته على إن الله قد سخر لنا كل ما في السماوات والأرض لننتفع به في حياتنا وفي معاشنا . فيقول الله : الله الذي خلق السماوات والأرض * وانزل من السماء ماء فاخرج به من الثمرات رزقا لكم * وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار* وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار * وآتاكم من كل ما سألتموه * وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار .
ويقول : وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا * وتستخرجوا منه حلية تلبسونها * وترى الفلك مواخر فيه * ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون * وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم * وانهار وسبل لعلكم تهتدون أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون * وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم .
وان هذا الذي سخره الله لنا لننتفع به هو ما يسمى اليوم بالموارد. وانتفاعنا بهذه الموارد انما يعني استثمارنا لها من اجل الخير العام . وليس ما يخفى ان هذا الاستثمار لا يتم على خير وجه الا بواسطة تلك البذرة المباركة التي أودعها الله فينا . والا بواسطة ما توصل اليه العقل من وسائل وهو ما يسمى العلم , والعلم هو من الوسائل التي تضاعف الاستثمار من اجل الوصول الى حد الكفاية في الإنتاج وتخفف عن الإنسان كثيرا من المجهودات الجسمية التي كان يبذلها في سبيل الإنتاج . وتلك هي الآلات . والعلم الذي توصلت اليه البشرية لا يساعد على هذا فقط وإنما يساعد أيضا في القضاء على الافات التي قد تقضي على الإنسان وعلى الحيوان , وعلى الثمار والأشجار وجميع المزروعات . وان العلم الذي توصلت اليه البشرية والذي يدعو التصوف المعاصر على طلبه ( بهمة لا تنقطع في العلم وعقل لا يقنع ) هو الذي يساعد الإنسان على التعرف على الطبيعة وعلى السيطرة عليها والتحكم فيها من اجل الخير العام . من هنا كانت الدعوة الى استخدام الوسائل العلمية بما فيها الآلة في جميع ميادين الاستثمار للموارد الطبيعية والبشرية لتحقيق التنمية والكفاية في الإنتاج .
من هنا كانت التفرقة بين الامم المتقدمة والامم المتخلفة من حيث ان :
الاولى : التي تملك من وسائل العلم ما يفيد في استثمار تلك الموارد . وفي خلق الحضارة عملية تكنولوجية تقدم الخير الكثير لبني الانسان
الثانية : هي التي لا تملك من وسائل العلم الحديثة شيئا يذكر . ونمارس الحياة على اساس من المواريث البدائية .
وقد أدرك التصوف المعاصر اننا على مفترق طرق , ومن بدء حياة جديدة قد تطوح بنا يمينا او يسارا اذالم نتسلح بالعلم والى ما توصل اليه العلم من وسائل وفي هذا يرى الغزالي ان طريق السعادة في الدنيا هو العلم والعمل به والى ذلك الإشارة بقوله : ( إذا نظرت إلى العلم رأيته لذيذا في نفسه فيكون مطلوبا لذاته .. وان السعادة لن نتوصل إليها إلا بالعلم وكيفية العمل به . فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هي العلم ) .