المدير Admin
عدد المساهمات : 137 نقاط : 6 تاريخ التسجيل : 25/02/2008
| موضوع: الخطاب الإسلامي الصوفي التجاني. عبد الباسط قابيل – جمهورية مصر العربية. الإثنين 10 نوفمبر 2008 - 18:33 | |
| محاضرات الملتقى الدولي الثاني للطريقة التجانية – قمار – الوادي – الجزائر المحور الرابع: جهود علماء الطريقة في الفكر الإسلامي. عنوان المحاضرة: الخطاب الإسلامي الصوفي التجاني. المحاضر: عبد الباسط قابيل – جمهورية مصر العربية. الحمد لله رب العالمين ، حمداً يليق بكماله وجماله وجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وصلاة وسلاماً على خير خلقه وإمام أنبيائه وخاتم رسله سيدنا محمد الفاتح الخاتم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين ، ثم أما بعد ،،، إن الخطاب الديني في الإسلام بصفة عامة من الأهمية بمكان لما له من تأثير في إبلاغ دين الله لعباده سواء أكان هؤلاء العباد من المسلمين أو من غيرهم ولاسيما أن الإسلام دين عالمي رسولاً ورسالة لقول الله تعالى : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون )() ، ولقوله تعالى : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )() ، ولقوله تعالى : ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً )() ، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة يستخلص منها أن الإسلام ليس قاصراً فى خطابه على المسلمين فحسب ولكنه منهج صالح للبشرية جميعاً في كل زمان وفى كل مكان ولاسيما أن عطاء القرآن متجدد ويواكب كل عصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لقوله تعالى : ( سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق )() ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً كتاب الله وسنتي )) ، ونظراً لاختلاف الألسنة والمعتقدات واكب القرآن تلك الأمور وجعل الخطاب متغيراً بتغير الأزمنة والأمكنة فيقول تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )() ، فنجد أن الخطاب في القرآن المكي يتناول قضايا وأمور تخص التأكيد على العقيدة والتوحيد وقضايا البعث والحساب والثواب والعقاب ، في حين أن الخطاب في القرآن المدني يتناول قضايا تأسيس المجتمع الإسلامي على أساس من الإيثار والتآخي والتآلف ، وأيضاً الخطاب النبوي لمجتمع ما قبل الهجرة يختلف في تناوله عن خطابه صلى الله عليه وسلم للناس بالمدينة المنورة . فإذا انتقلنا إلى الخطاب الإسلامي الصوفي التجاني سنجد أنه قائم على العلم الشرعي المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً وعبادة ، فيقول أحد علماء الطريقة التجانية وهو الشيخ أحمد التجاني الفوتي في كتاب التصوف الإسلامي : " إن الغالب على رجال التصوف العلم بالدين والصدق فى العمل وموالاة السلف الصالح " ، ويستشهد على ذلك من سيرة الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه كان يجالس الصوفية ويلازمهم ويحترمهم وحينما سئل عن ذلك قال : " لقد استفدت من مشايخ الصوفية ما لم نستفد من غيرهم " ، ويستشهد أيضاً بمقالة الإمام مالك رضي الله عنه والتي ذاعت عنه : " من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن جمع بينهما فقد تحقق " ، إلى أن قال الشيخ أحمد التجاني الفوتي : " ونحن إذا دافعنا عن التصوف فإننا ندافع عن التصوف المقيد بالكتاب والسنة والإقتداء بالسلف الصالح رضي الله عنهم فإذا وجد من بين أدعياء التصوف من يحيد عن ذلك فإننا نتبرأ منه كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب " ، ويقول الإمام أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه : " الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم " ، ويقول أيضاً : " من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر ، لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة " ، وشيخ طريقتنا الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه مؤسس الطريقة التجانية يقول تلك المقالة الذائعة عنه : " إذا سمعتم عنى شيئاً فزنوه بميزان الشرع ، فما وافق فاعملوا به وما خالف فاتركوه " . إذاً فالخطاب الإسلامي الصوفي عامة التجاني خاصة قائم على العلم المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو ركيزة من ركائز الدعوة إلى الله ، ويستمد هذا العلم أيضاً عملاً بقول الله تعالى : ( واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم )() ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم )) ، هذا العلم الذى يواكب عصرنا هذا ـ المسمى بعصر العولمة ـ الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة ومجتمعاً واحداً ، نستلهم هذا العلم من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكون الدعوة إلى الله وكيف نبرز للعالم من حولنا من خلال معطيات عصر العولمة الذي تداخلت فيه الثقافات ، نبرز أخلاق الإسلام ومنهجه وما يتيحه للبشرية من توجيه يضمن لهم سعادة الدارين ، وكيف أنه صلى الله عليه وسلم سعى للصلح مع مشركي مكة ، ليس عن ضعف بل هو المؤيد بنصر الله وبالمؤمنين الذين ألف الله بين قلوبهم ، فتجده صلى الله عليه وسلم يجتهد أشد اجتهاد في أن يدخل مكة يوم الحديبية معتمراً بدون قتال وهو يقول : (( والله لا تدعوني قريشاً اليوم إلى خطة توصل بها الأرحام وتعظم بها الشعائر لأجبتهم إليها )) ، وسمى الله ذلك الصلح بين المسلمين ومشركي مكة بأنه فتح مبين . ها هو ذا يخاطب الناس جميعاً بصبر يسع الجميع فى أول يوم نزل فيه إلى المدينة فيقول : (( أيها الناس أفشوا السلام )) خطاباً لكل فئات المجتمع على اختلاف مسمياتهم ومعتقداتهم ، فهناك مهاجرون وأنصار وأوس وخزرج وهناك أهل كتاب بل وهناك مشركون ومنافقون ، فيخاطب صلى الله عليه وسلم قلوب الجميع فيأمرهم بقوله : (( أفشوا السلام )) هذا السلام الذي قال عنه صلى الله عليه وسلم حينما سئل أى الإسلام خير ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : (( أن تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف )) رواه البخاري ومسلم عن سيدنا عبد الله بن عمرو ، سلام قولاً وعملاً وسلوكاً وهو حق للمسلمين على المسلم ، وشهادة بصدق إسلامه لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن سيدنا عبد الله بن عمرو : (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده )) وفى رواية للطبراني : (( أن يسلم الناس من لسانك )) ، بل جعله النبي صلى الله عليه وسلم شرطاً من شروط دخول الجنة كما روى الإمام مسلم في صحيحه عن سيدنا أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم )) ، علمُُ نستلهم منه كيف يكون الحوار بين المسلم والمسلم ، بل المسلم وغير المسلم ، فإذا كان هناك خلافاً في رأى أو أمر من الأمور فالإسلام يعلمنا كيف يكون الجدال كما وصفه ربنا بقوله : ( مراءً ظاهراً )() أي يسيراً سهلاً ليناً لا يوغر الصدور ولا يغير القلوب ولا يبث الفرقة في صفوف المسلمين ، وهو القائل سبحانه وتعالى : ( وجادلهم بالتي هي أحسن )() فهذا هو الخطاب الديني الصوفي التجاني المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أبو داود والترمذي وابن ماجه وهو حديث حسن صحيح عن سيدنا أبى أمامة : (( من ترك المراء وهو مبطل بنى له بيتاً في ربض الجنة ومن تركه وهو محق بنى له بيتاً في وسطها ومن حسَّن خلقه بنى له في أعلاها )) . وترهيباً من الجدال الغير محمود يحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بقوله : (( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم )) رواه البخاري ومسلم عن السيدة عائشة ، فتلك هي أصول العلاقة بين المسلمين التي وصف الله تعالى بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( رحماء بينهم )() ، إذاً فالخطاب الديني الصوفي التجاني قائم على علم ليس مقصوراً على تلاوة الآيات وحفظ الأحاديث والنصوص فحسب ، ولكن علم يستند على روح الدين متأسياً بأخلاق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، علماً يتخطاه إلى العمل وفعل الخير كل فى ميدانه ، وفى ذلك يقول سيدي الشيخ محمد الحافظ التجاني المصري رحمه الله ورضي الله عنه : " ولا تظن أن الإسلام حصر العلم فى الشؤون الفقهية والتوحيد فما ترك شأناً من الشؤون إلا وقد حث عليها ويجب شرعاً وجوباً كفائياً إذا قام به البعض سقط عن الكل وإلا أثم الجميع " . إذاً خطابنا علماً بشرع الله وعملاً على هدى رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا يرجى به إلا التقرب إلى الله وعبادة الله وصدق الله العظيم إذ يقول : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين )() ، فلا تصح كلمة العبادة ولا تجوز ولا تنبغي إلا لله عز وجل الذي لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الذي يقول جل شأنه : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )() . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كيف ننزل الناس منازلهم حتى وإن كانوا على غير ديننا ، فنجده صلى الله عليه وسلم حينما يخاطب الملوك والقياصرة وقادة العالم من حوله تجد أنه يستهل خطابه وهو صاحب الخلق العظيم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى ....عظيم ....) خطاباً يثير في نفس المخاطب فطرة الله التي فطر الناس عليها ، فتلين القلوب بإذن الله وتستجيب لنداء الله وفق مشيئة الله ، والعلماء ورثة الأنبياء ، ليس مجرد ورثة نصوص وأدلة نظرية فحسب ولكن ورثة أخلاق وورثة قلوب سليمة مخلصة في توجهها إلى الله ، فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد أركان الإسلام بخمسة أركان فمن آمن بهن جميعاً ولم ينكر شيئاً منها فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم وفق شرع الله . فمن هنا يحذر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( من دعا رجلاً بالكفر أو قال يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه() )) رواه البخاري ومسلم عن أبى ذر ، وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى : (( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر )) رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود . فإذا رجعنا إلى الخطاب الديني الصوفي التجاني فنذكر مقالة سيدي الشيخ محمد الحافظ التجاني المصري رحمه الله ورضي الله عنه : " الطريق ذكر ومذاكرة وأخلاق " ، فكما هو معلوم أن السلوك هو المعيار الحقيقي للأخلاق ولا فائدة من علم بلا عمل ، فلا يصعد بالكلم الطيب إلا إذا كان معه عمل صالح لقول الله تعالى : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )() ، فلابد من العمل لقوله صلى الله عليه وسلم : (( لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل )) ، على أن يكون هذا العمل وفق منهج الله متأسياً بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبتغى به وجه الله ، وهنا يسمى هذا العمل عبادة فلا عبادة حقيقية إلا إذا كانت على منهج الله وسنة رسوله ويبتغى بها وجه الله ، وهذا ما يعرف بالإخلاص في العمل ، وصدق الله العظيم إذ يقول : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين )() ، وقوله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين )() ، فبما أن الخطاب الديني الصوفي التجاني مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهو يدعو إلى الله على علم وبعمل يبتغى به وجه الله وصولاً إلى عبادة الله وحده لا شريك له . وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه حق قدره ومقداره العظيم ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين . | |
|