سيّدنا مولود فال بن محمَّد فال اليعقوبي
سافر إلى الشيخ ووجده قد توفي قبل قدومه بمدّة يسيرة واجتمع بأكابر أصحابه كسيدنا محمد الغالي وسيدي عبد الواحد وغيرهما من أكابر أصحابه وتلقى منهم أسراره وأنواره ثم رجع إلينا ومكث ما مكث ثم سافر ثانيا لزيارة الشيخ ووجد سيدنا محمد الغالي هناك أيضاً مع أكابر أصحاب الشيخ ولازمهم حتّى تفقّد في أحوال الشيخ وطريقته وحصل ما بقي في ظاهره من علومه وسيرته ،وكنّوه بأبي السّعود،وقالوا لم يرد علينا مثل أبي السّعود سيدنا مولود،ومكث ما مكث وفيه يقول بابا بن احمد بيب:
سَافَرَ مَرَّتَيْن نحوَ فــــــــــــــــــاسِ * إلى الوليِّ طيّب الأنْفــــــــــــــــــــــــــــــاسِ
إِمَامِ الأَوليَّاء بالإطْــــــــــــــــــلاقِ * وابْنِ رسولِ اللَّهِ باتّفَـــــــــــــــــــــــــــــــاقِ
فَجاءَ بالْعلومِ والأسْـــــــــــــــــرَارِ * مِن صحبهِ الأيمّةِ الكِبــَــــــــــــــــــــــــــــارِ
مِثلَ أبي الطّيبِ سيدِي الغالِــــــــي * والشّيْخ عبد الوَاحدِ المِفضَـــــــــــــــــــــــالِ
ثم سافر إلى حجّ بيت الله الحرام وزيارة نبيّنا عليه من الله تعالى أفضل الصّلاة وأزكى السّلام وفيه يقول محمد بن محمد في قصيدة طويلة من بحر الكامل:
مازال يوردها فوقهـــــــــــــــــــــــــا * نسج الخورْنق قد عــــــــــــــــــــــــــــــلاها
حتى أناخ ببطن مكّة نوقَــــــــــــــــــهُ * لله همّتُه وتلك الأينـــــــــــــــــــــــــــــــــــق
فثوى بمكّة ما ثوى حتى قضــــــــــى * كلّ المناسك ذا دعاء ينسّـــــــــــــــــــــــــق
زار النبيّ وصحبه بعدمـــــــــــــــــــا * قد طال منه إلى الجميع تشـــــــــــــــــــــوق
لما قضى الأوطار غرب نحونـــــــــا * والشمس بعد غروبها قد تشـــــــــــــــــــرق
فأقام بعد رجوعه بين الــــــــــــــورى * زمنا به جيد الزمان مطـــــــــــــــــــــــــوق
حتى أتاح له السعاد* ربــــــــــــــــــه * إذ هو في بحر المعارف مغـــــــــــــــــــرق
كنا نفعل ذكر الجمعة في بعض الأيام عند قبره ويسمعه بعضنا يذكره معنا ويسمى في العالم الرّوحاني الملكوتي بالفرد غلام التجاني ولاشك أنه من خلفاء الشيخ رضي الله تعالى عنه ،وفي ذلك يقول أخونا محمّد بن محمّد في قصيدته المذكورة:
مَازالَ يتبعُ شيخَهُ وبما بــــــــــــــــــهِ * أمسَى تخلَّق شيخُهُ يتخلَّــــــــــــــــــــــــــــقُ
حَتّى غدَا وهو الخليفةُ حولَــــــــــهُ * حلقُ التِّلاوةِ والوظيفةِ تحــــــــــــــــــــــــدقُ
وَغدَا اللَّعين يفرُّ من جنباتِــــــــــــهِ * إنَّ اللَّعِينَ إذَا رَ آهُ يفــــــــــــــــــــــــــــــرقُ
قَدْ مَاتَ وهو مدى الحياةِ لكلِّ مَـــــا * يُرضِ الإلهَ من الأُمُورِ موفَّــــــــــــــــــــــقُ
مُتجدِّب بإلاهِــــــــــهِِ * متمسّكٌ مُتعلِّقٌ متوثِّــــــــــــــــــــــــــــــــــقُ
مُتواضِعٌ متصاغِرٌ متبــــــــــــــذِّلٌ * مُتذلِّلٌ مترفِّقٌ متصـــــــــــــــــــــــــــــــــدِّقُ
ومن كراماته أن بعض الإخوان وقع عليه اللصوص في الصحراء التي بين واد نوى وبين شنجيط وكان معه رجل واحد فأخذهما اللصوص وكتفوهما من الأيدي والأرجل ومشوا بدوابهما وتجارتهما وظلاّ على ذلك الحال إلى آخر النّهار، فقال الأخ المذكور:"يا شيخ مولود فال أغثنا"، فأتاه سيدي مولود فال وهو ينظر إليه بعينيه وجلس عند ظهره وحلَّ وثاقه ،ولما قام طلبه فلم يجده.سمعت هذا الأخ الكريم يحكي هذه الحكاية على سيدي مولود فال بحضرة جماعة وهي مشهورة عند الإخوان وفيه أقول:
فَياربِّ جاز الشَّيخَ موْلود بالّـــــــذي * يكونُ لهُ أهلاً وأنت لهُ أهْــــــــــــــــــــــــــــلُ
وَجازهِ بالإحسانِ عنَّا تفضّـُــــــــــلاً * وِجِازهِ عن فعلٍ له كان قدْ فعْــــــــــــــــــــــلُ
أتانَا وقد كنَّا نحاكـِــــــــــي بهائمــــاً * بِلاَ وَازعٍ منّا يسيء وإِنْ عقْــــــــــــــــــــــــلُ
بَهَائمُ ترعى في الخــلاءِ سوائِمــــــاً * فَهمَّتُها ماءٌ ومطْلبُهَا بقْـــــــــــــــــــــــــــــــلُ
وصَيَّرِنَا ممّن له العَقْلُ والحِجَـــــــــا * وهمَّتهُ تسْمُو ومَطلبُهُ يعــــــــــــــــــــــــــــــلُ
ولا حمدٌ إلاّ للإله حقيقَــــــــــــــــــةً * ولاكنَّ شكر الشّيْخ جاء به النّقْــــــــــــــــــلُ
محمداً عديداً لا يعدُّ تضاعفــــــــــــاً * وشكراً كثيراً لا يزالُ له الفضـــــــــــــــــــــلُ
توفي رضي الله تعالى عنه في ربيع النبوي سنة 1267سبع وستين ومائتين وألف وابنه الشيخ معتنا الله بحياته. من المقدّمين في الطريقة.